العبارات المصكوكة في النص الشعري


العبارات المصكوكة في النصِّ الشعريّ
آليَّات دمجها ومظاهر مقاومتها
(شعر عبد العزيز المقالح أنموذجًا)
CLICHES IN THE POETIC TEXT
Mechanisms of merging them and evidences of their resistance
Abdulaziz al-Maqaleh poetry an example
د. سالم عبد الرب السَّلفي
أستاذ النقد الأدبيِّ الحديث المساعد
قسم اللغة العربيَّة - كليَّة التربية – عدن
رقم الهاتف: 711324448
البريد الألكترونيّ: s_assalafi@hotmail.com

الملخَّص:
يسعى هذا البحث إلى تسليط الضوء على منطقة مهملة في الدراسات الأسلوبيَّة، وهي (العبارات المصكوكة) واستعمالها في النصِّ الشعريّ، من خلال رصد أنماطها وأشكالها وآليَّات دمجها في النصِّ الشعريِّ ومظاهر مقاومتها لهذا الدمج. وكان المجال التطبيقيُّ هو شعر عبد العزيز المقالح في ثلاثة العقود (1970-2000م).
ويقع بحثنا هذا في منطقة وسط بين الدراسات الأسلوبيَّة والدراسات التناصِّيَّة، وهي المنطقة التي قدَّم فيها الناقد الأسلوبيُّ الكبير (ميشال ريفاتير) إنجازاتٍ مهمَّةً، ويعود إليه الفضل – وهذا أمر شديد الصلة ببحثنا - في تسليط الضوء على (العبارات المصكوكة) وكشف قيمها الأسلوبيَّة.
وقد قُسِّم البحث على قسمين: الأوَّل نظريٌّ يحاصر مصطلح (العبارات المصكوكة) وما قيل عنه في الدراسات السابقة، والثاني تطبيقيٌّ يرصد أنماط العبارات المصكوكة وأشكالها وآليَّات دمجها ومظاهر مقاومتها وبعض الظواهر الأسلوبيَّة المتِّصلة بها في شعر عبد العزيز المقالح.
Abstract:
This research seeks to shed light on a neglected area in stylistic studies, which are (cliches) and their use in the poetic text, by monitoring their patterns, forms, mechanisms of merging them in the poetic text and evidences of their resistance to this merging. The applied field was Abdulaziz al-Maqaleh poetry in the three decades (1970-2000).
This research is situated in the middle between stylistc studies and intertextual studies. It is in this area in which the great stylistic critic (Michael Riffaterre) presented important achievements. Credit goes to him – this is relevant to our research – in shedding light on the (cliches) and unmasking their stylistic values.
The research was divided into two sections: The first is theoretical, it deals with the (cliches) term and what was said about it in previous studies. The second is applied, it monitors patterns of clichés and their forms, merging mechanisms and evidences of their resistance, and some related stylistic phenomena, in the poetry of Abdulaziz al-Maqaleh.
المقدّمة:
تُعَدُّ العبارات المصكوكة إحدى الإستراتيجيَّات التي تعتمدها اللغة في الحفاظ على نفسها من التغيُّرات التي تفرضها سيرورة الحياة. ويمثِّل النصُّ الأدبيُّ عامَّة والنصُّ الشعريُّ خاصَّة أهمَّ الإستراتيجيات المضادَّة للغة، ففي حين تريد اللغة أن تحافظ على بُنَاها وتُثَبِّت قواعدها يسعى الشعر إلى التغيير والتجديد واجتراح قواعد جديدة.
فكيف يكون الحال عندما يلتقي النصَّان: نصُّ العبارة المصكوكة ونصُّ الشعر في إطار نصِّيٍّ واحد؟ بمعنى: كيف يكون الحال عندما يلتقي نصَّان متضادَّان في الخصائص، فأحدهما عامٌّ والآخر خاصّ، أحدهما جماعيٌّ والآخر فرديّ، أحدهما جامد والآخر حيويّ؟ إنَّها أسئلة في حاجة إلى إجابة، وهذا البحث يسعى إلى الإجابة عنها.
إنَّ استعمال العبارات المصكوكة في النصِّ الشعريِّ يولِّد توتُّرًا داخل النصِّ ولدى المتلقِّي؛ بسبب بروز العبارة المصكوكة في النصِّ الجديد من حيث إنَّ بنيتها المعجميَّة والنحويَّة موجودة من قبل في حين أنَّ النصَّ الشعريَّ جديد مبتدع، وهو ما يؤدِّي إلى وجود صراع بينهما، يتسلَّح فيه النصُّ بآليَّات معيَّنة في سعيه إلى دمج العبارة المصكوكة، في حين تتمسَّك العبارة بمبدأ المقاومة الذي يتجلَّى في مجموعة مظاهر نصِّيَّة.
على أساس هذا التصوُّر قسمنا البحث على قسمين نظريٍّ وتطبيقيّ، وجعلنا النصَّ الشعريَّ لعبد العزيز المقالح متنًا يشتغل عليه البحث؛ لحداثته وثرائه وتنوُّعه. وخرجنا بمجموعة من النتائج ضمَّنَّاها آخر البحث. فنسأل الله التوفيق والسَّداد، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
القسم الأوَّل: العبارات المصكوكة (جوانب نظريَّة):
يعرِّف (بورجر) التعبير بأنَّه "سلسلة لا يمكن بحال من الأحوال تفسيرُ معناها الإجماليِّ من خلال المعنى المطلق للكلمات"([1]). وعرَّفه محمَّد الهادي الطرابلسي بأنَّه "الوحدة المعنويَّة الدنيا التي يحتضنها تركيبٌ ما في الكلام، ولا تحدُّها بنية خاصة، ونهتدي إليها بتقطيع الكلام بمراعاة تمام المعنى"([2]).
وحدَّد ميلتْس خمس سمات أساسيَّة للتعبير([3])، هي: قابليَّة الإعادة والاسترجاع، استحالة الترجمة الحرفيَّة، عدم القابليَّة للتجزئة، الغموض، الثبات.
وللتعبيرات دور كبير في تعزيز هيكل الكلام الداخليِّ "فهي بمثابة المحور الذي يلتحم فيه اللفظ والمعنى، فينصهر فيه الشكل والمضمون"([4]). ومن جهة إبداع المعنى فإنَّ قيمة التعبير الأساسيَّة تكمن "في الإيحاء بالمعنى، وعدم المباشرة، والتعدُّد، واقتناص لازم المعنى، بالاستجابة مع عناصره، وإعمال الذهن لفهم المركَّب التعبيريِّ الجديد"([5]).
ويتَّسم التعبير بالاختزال، ويمكن عدُّه نوعًا من أنواع الاقتصاد في استخدام المفردات، فهو "يعبِّر عن المعنى في صورة لغويَّة مختزلة، والاختزال من أهمِّ سمات لغة الشعر"([6]).
وللتعبير صلة وثيقة بالأسلوب؛ فهو من ناحية عبارة عن ألفاظ مفردة تخلَّت عن مميِّزاتها الفرديَّة لصالح التركيب الإجماليّ "بحيث تُستغلُّ الألفاظ المفردة في سياق المعنى لطاقات أسلوبيَّة ودلاليَّة"([7]). وهو من الناحية الأخرى يصبغ أسلوب الأديب بصبغة خاصَّة، "وهو من أهمِّ العوامل المساعدة على إبراز الكيف الأسلوبيِّ للعمل الأدبيّ"([8]).
***
والعبارات المصكوكة هي شكل خاص من أشكال التعبير، استُعمل بداءةً في قالب لغويٍّ مخصوص ليدلَّ على معنى معيَّن، ثمَّ تلقَّفته الأفواه والأقلام، واستعملته من دون المساس بصيغته النموذجيَّة.
والدارسون يختلفون في تسمية هذا النوع من العبارات، وهذا رصد للتسميات المختلفة التي وقعتُ عليها فيما قرأت من كتب:
1-    الإكْلِيشيْه([9]): وهو نقل حرفيٌّ للكلمة الفرنسيَّة (cliche) التي انتقلت إلى القاموس الإنجليزيّ لتدل على الفكرة أو الصيغة المبتذلة([10])، ولأنَّه لفظ أعجمي فقد نُقل إلى العربيَّة بصور مختلفة؛ نحو: الإكلشيه([11])، الكليشيه([12])، الكليشه([13]). وقد كان كثير من الدارسين يذكرون هذه التسمية ويقرنونها بتسمية أخرى تُفْهَمُ على أنَّها ترجمة مقترحة؛ نحو: العبارات المصكوكة([14])، التعابير المسكوكة([15])، العبارة الجامدة([16])، الرَّوْسَم([17])، التعابير المتحجِّرة([18]).
2-    التعابير الجاهزة: وهي التسمية التي نجدها عند محمَّد الهادي الطرابلسي في كتابه (خصائص الأسلوب في الشوقيَّات). والتعابير الجاهزة عنده هي من أثر الثقافة الظاهر، وهي نوعان: تعبيرات جاهزة مشتركة، وتعبيرات جاهزة خاصَّة. فالتعبيرات الجاهزة المشتركة "هي المنقولة من تراث العرب بدون أن تكون معروفة المصدر الأصليّ، يأخذ فيها الشاعر التعبير بتركيبه المعروف أو يكتفي بأخذ التعبير ويتصرَّف في التركيب، وكثير من هذه التعابير ترد في السياق بدون أن تسترعي الانتباه لشيوعها في كلام العرب وضعف دلالتها بمقتضى ذلك"([19])؛ نحو: شدَّ الرحل؛ للتعبير عن الاستعداد للرحيل. وأما التعبيرات الجاهزة الخاصَّة فهي "تراكيب جزئيَّة أو جمل مفيدة يأخذها الشاعر من مصدر مخصوص، ويضمِّنها كلامه، فيكون الكلام الدخيل عمدةً في التبليغ"، وهو ما يطلق عليه أيضا (الاقتباس)، وقد عمّم الاقتباس ليشمل القرآن والحديث والأمثال والشعر([20]). ولا يدخل من التعابير الجاهزة في مصطلح (العبارات المصكوكة) غير النوع الأوَّل وهو (التعابير الجاهزة المشتركة) والأمثال من النوع الثاني (التعابير الجاهزة الخاصَّة)؛ إلا أن يكون من القرآن والحديث والشعر عبارات سارت بين الناس مسير الأمثال بسبب صيغتها النموذجيَّة؛ فعندئذ يمكن إدخالها في (العبارات المصكوكة).
3-    التعبيرات اللغويَّة: أما الدكتور محمَّد العبد فقد رصد لنا خمسة أنماط ممَّا أَطلق عليه مصطلح (التعبيرات اللغويَّة) في الشعر الجاهليّ، يمكن أن تدخل جميعها في مفهوم (العبارات المصكوكة). هذه الأنماط الخمسة هي([21]):
(1)  التعبيرات التي تأخذ شكل المصاحبة اللفظيَّة؛ نحو: جبر العظم.
(2) التعبيرات التي تعتمد على وحدة لغويَّة أساسيَّة، تعدُّ بمثابة (المركز) الذي يدور حوله معنى التعبير العام؛ نحو: وضع عصاه.
(3)  التعبيرات ذات السمات التركيبيَّة الخاصَّة؛ نحو: كيل الصاع بالصاع.
(4) التعبيرات التي تأخذ شكل الأسلوب اللغويّ، وهي تعبيرات ذات سمات بلاغيَّة، ييبرز فيها الإبداع اللغويُّ الفرديّ، حيث تصاغ على نحو شعريٍّ مجازيّ؛ نحو: يَرْقُمُ على الماء.
(5)  التعبيرات المَثَليَّة، وهي تعبيرات تعتمد على الأمثال الشائعة؛ نحو: حتَّى يؤوب المنخّل.
وقد اخترنا تسمية (العبارات المصكوكة) لشيوعها ولدلالتها على الانغلاق، فهي بنية لغويَّة مغلقة على نفسها، ولذلك يغدو من الصعب إحداث تغييرات فيها عند توظيفها في النصِّ الشعريّ، ومن هنا كانت بارزة في أيِّ نص توجد فيه.
وامتنعنا عن تسمية (الإكليشيه) لعُجْمتها، ولأنَّنا استعملناها في بحثنا لتدلَّ على نمط محدَّد من أنماط العبارات المصكوكة. كما امتنعنا عن الترجمات المقترحة الأخرى لعدم دلالتها على الانغلاق البنيويِّ للعبارة، ولعدم شيوعها.
وامتنعنا عن تسمية (التعابير الجاهزة) و(التعبيرات اللغويَّة) لأنَّ الأولى عامَّة تشمل كل التعبيرات السابقة للنصِّ ممَّا هو مصكوك وغير مصكوك، وأمَّا الثانية فهي أعمُّ من الأولى من حيث التسمية؛ لأنَّها تشمل التعبيرات السابقة على النصِّ والتعبيرات التي ينتجها النصّ.
***
ولمَّا كانت (العبارات المصكوكة) شائعة مبتذلة كثيرة الاستعمال؛ أهملتها الدراسات الأسلوبيَّة، وأنكر معظمُها القيمة التعبيريَّة لها، حتى جاء (ميشال ريفاتير) فطبق نظريَّته في التضادِّ البنيويِّ على هذه المنطقة المهملة في الدراسات الأسلوبيَّة، وانتهى إلى نتائج مثمرة([22]). من هذه النتائج:
1-  أنَّ العبارة المصكوكة إذا استطاعت فرض نفسها على القارئ وانتباهه "كان من الواجب على الباحث في الأسلوب أن يسأل عن سبب فعاليتها في عمليَّة التوصيل الأدبيّ"([23]).
2-  أنَّ العبارة المصكوكة بنية أسلوبيَّة تلفت النظر إلى صيغة الرسالة اللغويَّة، لكنَّها "بنية فريدة؛ لأنَّ محتواها المعجميَّ معروض من قبل، فالإطار الفارغ قد ينظِّم أيَّ سياق، إلا أنَّ الإطار المليء بشكل مسبق سنتلقَّاه دائمًا على أنَّه قرض واستعارة، وهو قرض مضادٌّ للسياق الذي ينتظم فيه"([24]).
3-  أنَّ العبارات المصكوكة تمثِّل قوَّة تعبيريَّة حادَّة وثابتة؛ "إذ إنَّها تحتوي على نموذج الواقعة الأسلوبيَّة التامَّة؛ أي تتكوَّن من مجموعة ثنائيَّة مؤلَّفة من سياق أصغر وعنصر مضادٍّ لهذا السياق، وتضادُّ الطرفين المكوِّنين لها – في تقابلهما وعدم قابليتهما للانفصال – يجعلها مبتورة، وذات تأثير محفوظ"([25]).
4-  أنَّ الفعالية الأسلوبيَّة للعبارة المصكوكة موجَّهة، وهذا التوجيه الأسلوبيُّ ناجم من الفرق بين مستوى العبارة المصكوكة (التي تُحيل إلى السياق الأكبر الذي ظهرت فيه للمرَّة الأولى) ومستوى سياقها الجديد([26]).
5-  أنَّ العبارات المصكوكة تؤدِّي وظيفتين: تقوم في الأولى بدور العنصر المكوِّن في كتابة المؤلِّف وتقع على مستوى الإجراءات الأسلوبية الأخرى نفسه، فتصبح مثلها وسيلة للتعبير، وفي قيامها بهذه الوظيفة تؤدِّي إلى تذكُّر الجنس الذي وردت منه، وإقامة علاقة بينه وبين السياق الجديد بتعارضه مع لغته الأدبيَّة. وفي الثانية تكون موضوعًا للتعبير يقدَّم بوصفه واقعًا خارجيًّا مشارًا إليه ومنفصلاً عن كتابة المؤلف، وفي هذه الحال تصبح العبارة المصكوكة تمثيلاً مسجَّلاً في سياق آخر ومستخدمًا بوصفه إجراءً تقليديًّا يهدف إلى إثارة الانتباه للخواصِّ المخالفة لأسلوب المؤلِّف ولفت النظر إلى نفسيَّة الشخصيَّات الصادر عنها([27]).
من جانب آخر استطاع ريفاتير أن يقدِّم مفهومًا خاصًّا بالتناصِّ من خلال رَبْطه بالتلقِّي، مستحدثًا مصطلح (نصّ التناصّ) الذي عرَّفه بأنَّه "إدراك القارئ للعلاقات بين عمل وأعمال أخرى سبقته أو لحقت به"([28])، وقرَّر أنَّ الإمساك بنصِّ التناصِّ أصبح سهلاً بسبب "وجود مقاومة دلاليَّة ونحويَّة في النصّ، ويشكِّل الإيماء الذي يتمثَّل في اعتماد كلمة واحدة ذات معنيين هذه المقاومة الأسلوبيَّة؛ إذ يثير تواتره في النصِّ الانتباه، كما أنَّ على هذا التواتر أن يوحي بنصِّ التناصّ"([29]).
***
ولا شك في أنَّ العبارات المصكوكة تتسلَّط على ألسنة الشعراء وأقلام الكتَّاب، فلا يجدون مفرًّا من استعمالها؛ لحضورها القويِّ في منظومة الكلام السابق، ولكونها تراكيبَ جاهزةً يسهل التقاطها لوضعها في النصِّ الجديد (السياق الأكبر).
وبهذا الاستعمال تخرج العبارات المصكوكة من دائرة الاستهلاك إلى دائرة التجدُّد، وقد اهتمَّت الدراسات الأسلوبيَّة بالبحث في "كيفية تجدُّدها وعودة الحياة إلى صورها الميِّتة"([30])، غير أنَّ التجديد لا يعني التحطيم "فمهما كانت عمليَّة التجديد فهي لا يمكن أن تكون شاملة بحيث تمحو كلَّ أثر للقديم وتحول دون تعرُّف شكله الأصليّ"([31]).
والواقع أنَّ توظيف العبارات المصكوكة في الأعمال الأدبيَّة يعزِّز من التأثير المحفوظ للعبارة المصكوكة، وذلك "نتيجة لعدم قابليتها للانصهار، واتِّضاحِ بروزها من جميع الجوانب"([32]).
وما إنْ توضع العبارة المصكوكة في السياق الأكبر حتى يظهر صراع نصِّيٌّ – إن جاز التعبير – بين العبارة المصكوكة والنصِّ الموضوعة فيه؛ ذلك أنَّ النصَّ يسعى – عبر آليَّات معيَّنة - إلى دمج العبارة المصكوكة وصهرها، في حين تقاوم العبارة للحفاظ على بنيتها وأثرها، فيكون لهذه المقاومة مظاهر مخصوصة. وهذه الآليَّات والمظاهر هي الموضوع الرئيس في هذا البحث الذي تدور عليه المباحث الآتية.

القسم الثاني: العبارات المصكوكة في شعر عبد العزيز المقالح:
يعدُّ الدكتور عبد العزيز المقالح من كبار شعراء اليمن والعالم العربيِّ في العصر الحديث، وهو ينتمي إلى شعراء الحداثة، والشكلُ الشعريُّ السائد في أعماله الأدبيَّة هو قصيدة التفعيلة أو القصيدة السطريَّة. وقد نشر خلال ثلاثة عقود (1970-2000م) إحدى عشرة مجموعة شعريَّة: لا بدَّ من صنعاء، مأرب يتكلَّم، رسالة إلى سيف بن ذي يزن، هوامش يمانية على تغريبة ابن زريق البغداديّ، عودة وضَّاح اليمن، الكتابة بسيف الثائر عليِّ بن الفضل، الخروج من دوائر الساعة السليمانيَّة، أوراق الجسد العائد من الموت، أبجديَّة الروح، كتاب صنعاء، كتاب القرية. فشعرُه بذلك مجال خصب لأيِّ عمل بحثيٍّ تطبيقيّ.
وقد قمنا برصد العبارات المصكوكة في هذه المجموعات، فأحصينا منها (137) عبارة مصكوكة واضحة الملامح، ومن النتائج العامَّة التي توصَّلنا إليها من هذا الإحصاء أنَّ المقالح أكثر من توظيف العبارات المصكوكة في دواوينه الثلاثة الأولى التي كُتب معظم قصائدها في الخمسينيَّات والستينيَّات، ثم بدأ يخفُّ هذا التوظيف في الدواوين التالية شيئًا فشيئًا. وهي إشارة مهمَّة إلى أنَّ الشاعر تخلَّص تدريجيًّا من سطوة اللغة الجاهزة، وصارت لديه لغته الخاصَّة، بل وصل في المراحل المتأخِّرة إلى حدِّ إنتاج العبارة المصكوكة.
وقبل الحديث عن آليَّات دمج العبارة المصكوكة ومظاهر مقاومتها لهذا الدمج في شعر المقالح؛ كان لزامًا علينا أن نعرِّج على أنماط العبارة المصكوكة وأشكالها اللغويَّة في هذا الشعر. ومن ثمَّ نرصد أبرز الظواهر الأسلوبيَّة المتصلة بالعبارات المصكوكة في شعر المقالح.
أولا: أنماط العبارات المصكوكة:
رصدنا في شعر عبد العزيز المقالح ستَّة أنماط رئيسة من العبارات المصكوكة، هي:
1-  العبارة الكنائيَّة: وهي عبارة قائمة على كناية شائعة؛ نحو: عبارة (عينه لم تزل في السما)([33]) وعبارة (أصابع العدو في الزناد)([34]). وقد كان هذا النمط من العبارات المصكوكة هو الأكثر حضورًا في شعر المقالح، فمن بين (137) عبارة مصكوكة توجد (79) عبارة مصكوكة قائمة على الكناية، بنسبة (57.7%). ويمكن إرجاع هذه النسبة العالية إلى ميل في استعمال العبارات المصكوكة ذات الصبغة الشعريَّة، فالكناية هي صورة بيانيَّة شعريَّة معدول بها عن كلام مباشر، وهي أَدْخَلُ في بنية الشعر وأقرب العبارات المصكوكة إلى روح الشعر، ولا يزال فيها نبض شعريٌّ يؤهِّلها للاندماج في النصِّ الشعريِّ الجديد.
2-  العبارة الاصطلاحيَّة (idiom): وهي عبارة ذات معنى لا يمكن أن يستمدَّ من مجرَّد فهم معاني كلماتها منفصلةً؛ نحو: عبارة (مكانك)([35]) بمعنى: قف، وعبارة (قضى نحبه)([36]) بمعنى: مات، وعبارة (لاذ بالفرار)([37]) بمعنى: هرب. وقد كان هذا النمط من العبارات المصكوكة في المرتبة الثانية من بين العبارات المصكوكة الأكثر حضورًا في شعر المقالح، فمن بين (137) عبارة مصكوكة توجد (18) عبارة مصكوكة اصطلاحيَّة، بنسبة (13.1%). وقد احتلَّ هذا النمط المرتبة الثانية – وإن كان الفارق بينه وبين النمط الأوَّل كبيرًا – لأنَّه عبارة عن تعبيرات لغويَّة مصكوكة عامَّة، وهي أشبه بالمَعين التعبيريِّ الجاهز الذي ينهل منه الأدباء والكتَّاب عمومًا، وليست مقتصرة على أجناس أدبيَّة دون أخرى، ولا على زمان دون آخر.
3-  العبارة الإكليشيْه: وهي عبارة مبتذلة لكثرة شيوعها. ومن أمثلتها العبارات الآتية: فراش الموت([38])، ساعة الصفر([39])، رفيق الدرب([40]). وقد جاء هذا النمط من العبارات المصكوكة في المرتبة الثالثة من بين العبارات المصكوكة الأكثر حضورًا في شعر المقالح، فمن بين (137) عبارة مصكوكة توجد (14) عبارة مصكوكة من نوع الإكليشيه، بنسبة (10.2%). وهذا النوع أسميناه بالإكليشيه – على الرغم من أن الإكليشيه قد يعني العبارة المصكوكة بشكل عامّ – لربطه بالمصطلح الأجنبيِّ المعاصر من جهة، ولكثرة استعماله في عصرنا الحاضر من الجهة الأخرى. فهي دائرة في ألسنة الأدباء وأقلام الكتاب المعاصرين ومنتشرة في لغة الصحافة والإعلام؛ ولذلك فهي قريبة المأخذ بالنسبة إلى الشاعر المعاصر. وكثير من نماذج هذا النمط جاءنا من الترجمة؛ حتى إنَّه يصحُّ أن نطلق عليها اسم (العبارات المصكوكة المعاصرة) أو (العبارات المصكوكة العالميَّة). وقد ابتُذل استعمال هذا النمط من العبارات المصكوكة إلى الحدِّ الذي فيه صارت ترجمته غير مستعصية، بل يمكن أن تكون حرفيَّة؛ نحو: (deadbed) فراش الموت، (zero hour) ساعة الصفر.
4-  العبارة الطقوسيَّة: وهي عبارة تقال في طقس معين كالدُّعاء أو التهنئة أو المدح أو الهجاء أو غيرها من الطقوس، ومن أمثلتها العبارات الآتية: الله أكبر([41])، يرحمه الله([42])، إلى اللقاء([43]). وقد جاء هذا النمط من العبارات المصكوكة في المرتبة الرابعة من بين العبارات المصكوكة في شعر المقالح، فمن بين (137) عبارة مصكوكة توجد (11) عبارة مصكوكة متَّصلة بطقوس معيَّنة، بنسبة (8.1%). وعلى الرغم من انخفاض نسبة هذا النمط؛ فإنَّ حضوره في شعر المقالح كان نوعيًّا، وربَّما يعود ذلك إلى تلك النظرة التي نظرت إلى الشعر بوصفه طَقْسًا أقرب إلى طقوس السحر، وهو ما عبَّر عنه أبو نواس في قوله (والشعر من عُقد السحر).
5-  العبارة المَثَليَّة: وهي عبارة قائمة على مَثَل أو تعبير مَثَليّ([44])؛ نحو: عبارة (برق الشام خلَّب)([45]) وعبارة (ما أشبه الليلة بالبارحة)([46]). وقد جاء هذا النمط من العبارات المصكوكة في المرتبة الخامسة من بين العبارات المصكوكة في شعر المقالح، فمن بين (137) عبارة مصكوكة توجد (8) عبارات مصكوكة أصلها مثل أو تعبير مثليّ، بنسبة (5.8%). وهي نسبة منخفضة، ويعود السبب في انخفاضها إلى كونها تعبيراتٍ عامَّةً ذاتَ طابع إنسانيّ، في حين أنَّ الشعر تعبير خاصٌّ ذو طابع فرديّ، ولذلك فإنَّ استعمالها في الشعر بحاجة إلى مهارة خاصَّة.
6-  العبارة البنائيَّة: وهي عبارة اشتهرت بوصفها جزءًا من بنية نصِّيَّة مشهورة؛ نحو: عبارة (كان يا ما كان)([47]) وعبارة (ألف ليلة وليلة)([48]) وعبارة (عين يا عين)([49]). وقد جاء هذا النمط من العبارات المصكوكة في المرتبة الأخيرة من بين العبارات المصكوكة في شعر المقالح، فمن بين (137) عبارة مصكوكة توجد (7) عبارات مصكوكة منتزعة من بنى نصِّيَّة شهيرة الغالب عليها الاستعمال الشعبيّ؛ بمعنى أنَّها آتية من لدن التراث الأدبيِّ الشعبيّ. وكانت نسبة استعمالها (5.1%). وربَّما يعود انخفاض نسبة هذا النمط من العبارات المصكوكة إلى أحد أمرين: الأوَّل انتماؤها إلى بنية نصِّيَّة متماسكة وراسخة في الذاكرة العامَّة، وتوظيفُها في الشعر الحديث المؤسَّس على الجدَّة والفرادة يغدو مجازفة؛ والثاني انتماء أغلبها إلى ثقافة شعبيَّة ولغة عامِّيَّة، وتوظيفُها في شعرٍ فصيح يصدر عن مثقَّف من النخبة يغدو مجازفة أخرى.
ثانيًا: أشكال العبارات المصكوكة:
ظهرت العبارات المصكوكة في شعر المقالح في ثلاثة أشكال لغويَّة، هي:
1-  جملة فعليَّة: وهي الجملة المؤسَّسة على ركنين أساسيَّين هما الفعل والفاعل، وهي الشكل السائد في العبارات المصكوكة في شعر المقالح، وجاء أغلبها في النمط الكنائيّ. وإحصائيًّا وردت العبارة المصكوكة المتشكِّلة في جملة فعليَّة (85) مرَّة من بين (137) عبارة مصكوكة، بنسبة (62%).
وهذه النسبة العالية تعود - في نظرنا - إلى حيويَّة الفعل وحركيَّته، وهي خاصِّية معارضة لطبيعة العبارة المصكوكة التي يفترض أن تكون جامدة، وهو الأمر الذي يستغلُّه النصُّ في دمج العبارة المصكوكة في يُسْر.
ومن اللافت للنظر في استعمال الجملة الفعليَّة في العبارة المصكوكة في شعر المقالح غلبة حضور الجملة الفعلية مع (المفعول به) على الرغم من كونه فضلة؛ نحو: أسلمتْ أنفاسَها([50])، تلعق الأقدام([51])، وضعوا الرؤوس على الأكفّ([52])، أغمض العينين([53])، نشحذ للأقربين الخناجر([54])، تسكب ماء وجهك([55])، تذرع ليل الأرض([56])، قضى نحبه([57])، ركبت موج البحر([58]).
ومن وجهة النظر الأسلوبيَّة فإنَّ المفعول الفَضْلة لا غنى عنه في علم الأسلوبيَّة([59])، وهو - في نظرنا - الأقربَ إلى روح الشعر من (الفاعل)، وهو الكاشف عن الرؤية الشعريَّة؛ لأنَّه واقع في مجال التصرُّف في حين أنّ الفاعل مفروض فرضًا([60]).
لكنَّ (المفعول به) في العبارة المصكوكة يعدُّ عنصرًا لغويًّا مفروضًا أيضًا؛ لأنَّه يجيء في ضمن بنية لغويَّة متماسكة العناصر، وفي محاولة النصِّ تدجينَ العبارة المصكوكة ودَمْجَها في السياق الأكبر يختار أكثرَ العناصر قبولاً للتغيير وهو (المفعول به) من حيث كونُه فضلة، فيتمُّ تغييرُه ويُستبدل به أو يُضاف إليه عنصرٌ لغويٌّ آخرُ قادر على حمل الرؤية الشعريَّة الجديدة. وهذا ما يفسِّر لنا كثرة تغيُّر المفعول به في العبارة المصكوكة الموظفة في شعر المقالح، وذلك بأن يضاف إليه عنصر لغويٌّ جديد أو يحلَّ محلَّه مفعول به آخر؛ نحو: تذرع ليل الأرض([61]) بدلا من (تذرع الأرض)، ألقى اغترابه([62]) بدلا من (عصاه).
2-  جملة اسميَّة: وهي الجملة المؤسَّسة على ركنين أساسيَّيْن هما المبتدأ والخبر، وهي الشكل السائد في العبارات المصكوكة الطقوسيَّة والمَثَليَّة. وإحصائيًّا وردت العبارة المصكوكة المتشكِّلة في جملة اسميَّة (17) مرَّة من بين (137) عبارة مصكوكة، بنسبة (12.4%)، وهي أقلُّ نسبة مقارنة بالشكلين الماضي والآتي؛ وربَّما يعود ذلك إلى جمود الاسم وثبات دلالته؛ ولذلك كثُر في العبارات الطقوسيَّة والمثليَّة وقلَّ في الشعر.
واللافت في استعمال هذا الشكل في شعر المقالح أنَّه حاول كسر الشكل الأوَّلي والمعتاد للجملة الاسميَّة، وأكثر من استعمال الجمل الاسميَّة المتحوِّلة وتلك التي تتضمَّن خبرًا فعليًّا لا اسميًّا؛ يستثنى من ذلك بعض العبارات الشديدة الصكّ؛ نحو: الله أكبر([63])، برق الشام خُلَّب([64]). ومن أمثلة العبارت المصكوكة الاسميَّة المتحوِّلة: مازلت نهبًا لخيل الظنون([65])، لا بدَّ من صنعاء([66])، الطبيب هو الله([67])، عليك سلام الله([68]). ومن أمثلة العبارات المصكوكة الاسميَّة التي جاء فيها الخبر فعلاً: كلُّ الدروب تؤدِّي إلى صنعاء([69])، ساعة الدم دقَّت([70])، زمان المرارات ولَّى([71]).
3-  جملة غير تامَّة: والمقصود هنا أي تركيب لغويٍّ لا يُفضي إلى معنى تامّ، ويدخل في ذلك شبه الجملة، والمركَّب الإضافيّ، والمركَّب النعتيّ، وبعض التراكيب العامِّيَّة. وهي الشكل السائد في العبارات المصكوكة الإكليشيه والبنائيَّة. وإحصائيًّا وردت العبارة المصكوكة المتشكِّلة في جملة غير تامَّة (35) مرَّة من بين (137) عبارة مصكوكة، بنسبة (25.6%).
وكان التركيب الإضافيُّ هو الشكل السائد في الجملة غير التامَّة، وهو الشكل الأثير في نمط الإكليشيه لإيجازها وشدَّة تماسكها؛ فإنَّ العلاقة بين المضاف والمضاف إليه من أقوى العلاقات اللغويَّة من حيث إنَّ المفردتين تكونان في مقام المفردة الواحدة. وهي من أكثر الأشكال تعصِّيًا على التغيير، ولم نعدم أمثلة لهذا التغيير سنتناولها في مبحث (آليَّات دمج العبارات المصكوكة).
ثالثًا: آليَّات الدمج:
لمَّا كانت العبارة المصكوكة مغلقةً بنيويًّا من حيث إنَّ بنيتها اللغويَّة متماسكة جدًّا؛ كان دمجُها في النصِّ الشعريِّ – وهي عبارة عن كلام جاهز – يحتاج إلى جهد يوازي الجهد الشعريَّ المبذول في ابتداع كلام جديد. وهذا الجهد يتمثَّل في اعتماد مجموعة من الآليَّات التي يتمكَّن بها النصُّ الجديد من استيعاب النصِّ الجاهز ودمجه في ثناياه.
وبتتبعُّنا العبارات المصكوكة في شعر المقالح وجدنا أنَّ هناك مجموعة من الآليَّات يتمُّ بها دمجُ العبارة المصكوكة في النصِّ الشعريّ، أبرزُها:
1-  آليَّة الاستبدال: وفيها يتمُّ استبدال لفظ بلفظ في العبارة المصكوكة. وهذا الاستبدال يتمُّ في المحور الرأسيّ، ولا يؤثِّر في البنية الأفقيَّة (التركيبيَّة) للعبارة. ولكنَّ هذا الاستبدال يمثِّل انتهاكًا لخصوصيَّة العبارة المصكوكة، وهي محاولة سافرة لدمجها في النصِّ الحاليّ، وتُظهر مدى سيطرة النصِّ الحالي على العبارة المصكوكة.
وهذه الآليَّة تقوم بتعديل في النواتج الدلاليَّة؛ لأنَّ حلول لفظ محلَّ آخر يعني تغيُّرًا في الدلالة، وهو ناتج عن تحوُّل في المقاصد لدى المنشئين. وفهم هذه الآليَّة يمنحنا فرصة ثمينة لمعرفة تلك التحوُّلات التي يمكن بها الكشف عن الأسلوب الذي يعرَّف بأنَّه اختيار([72])؛ ذلك أنَّنا أمام عبارة مصكوكة تُعَدُّ مثالاً أو أنموذجًا، واستعمالُها في النصِّ الشعريِّ باستبدال ألفاظ بألفاظها يمثِّل عدولاً عن هذا الأنموذج، وهذا العدول هو مناط الأسلوب([73]).
وقد لفت انتباهنا – وهذا ذكرناه قبل – أنَّ العبارة المصكوكة المتشكِّلة في جملة فعليَّة تمَّ فيها استهداف العنصر اللغويِّ غير الإسناديِّ (المفعول به)؛ من أجل إحداث عمليَّة الدمج، وكانت آليَّة الاستبدال هي الآليَّة الأكثر حضورًا في أداء هذه العمليَّة. ومن أمثلة استبدال المفعول به: يلفظ العمر([74]) بدلاً من (الأنفاس)، الخاطبين وصالَها([75]) بدلاً من (ودَّها)، ألقى قيوده([76]) بدلاً من (عصاه)، في الصيف ضيَّعت الوطن([77]) بدلاً من (اللبن). وفي المثال الأخير (في الصيف ضيَّعت الوطن) فضح الاستبدالُ الرؤيةَ الشعريَّة المعاصرة المتمثِّلة في إضاعة الشاعر وطنَه العربيَّ في صيف 1967م (هزيمة حزيران). وكاد الاستبدال يلغي مصكوكيَّة العبارة المَثليَّة (في الصيف ضيَّعت اللبن) لولا مقاومتُها وحفاظها على بنيتها التركيبيَّة وأجزاء من بنيتها المعجميَّة.
ولمَّا كان التركيبُ الإضافيُّ غير قابل للتعديل في بنيته التركيبيَّة؛ استُهدفت بنيتُه المعجميَّة عن طريق آليَّة الاستبدال، فتمَّ استبدال لفظٍ بلفظ المضاف إليه في العبارة المصكوكة، وهو إنجاز كبير للنصِّ الحاليِّ في طريق دمج العبارة المصكوكة؛ لأنَّه تمكَّن من تغيير العنصر الأساسيِّ في بنية الإضافة وهو (المضاف إليه). من أمثلة ذلك: ينفض غبار الشجن([78]) بدلاً من (السَّفَر)، ساعة الدم دقَّت([79]) بدلاً من (الصِّفْر). وسنلاحظ في هذين المثالين أنَّ الاستبدال أفضى إلى المجاز، وفضح الرؤية الشعريَّة الكامنة وراء النصّ، فالمعاناة في (غبار السفر) مادِّية في حين أنَّها في (غبار الشجن) معنويَّة ومن ثمَّ فهي أكثرُ عمقًا وأثرًا في النفس، لكنَّ استعمال الفعل (ينفض) يلغي تلك المعاناة ويعلن نهايتها. وفي المثال الثاني لدينا مجاز بالحذف أصله (ساعة الصفر لسيلان الدم دقَّت)، وهي نقلة من زمان الحدث إلى بؤرة الحدث (الدم)، وفيها – بعكس المثال السابق - إعلان بداية المعاناة!
2-  آليَّة الإحالة: وهي من أهمِّ الآليَّات وأَدْخَلِها في باب الشعر؛ لأنَّها قامت في كثير من نماذجها على المجاز. وتقوم هذه الآليَّة بعملها – غالبًا - في منطقة الضمائر، وهي منطقة على جانب كبير من الأهمِّية؛ لأنَّ الضمائر تحافظ على بنية العبارة المصكوكة من جهة النظر إليها في سياقها الأصغر، وتنتهكها من جهة النظر إليها في سياقها الأكبر، وهو انتهاك واضح؛ لأنَّه يربط العبارة المصكوكة بالنصِّ الجديد بوشائج قربى قائمة على إحالة ضميرٍ في العبارة المصكوكة على عنصر لغويٍّ خارج العبارة موجود في السياق الأكبر (النصِّ الجديد)، وتعدُّ هذه الإحالة مظهرًا من مظاهر التماسك النصِّيّ. من ذلك هذا المثال:
ما زالتِ الكلماتُ تشدُّ الرِّحالَ إلى غيمةٍ
ليس تدنُو
إلى امرأةٍ اسمُها في الكتابِ القصيدةُ([80])
فالضمير المستتر (هي) في العبارة المصكوكة (تشدُّ الرحال) يمكن النظر إليه بوصفه عائدًا على امرأة حقيقيَّة، وذلك بالتعامل مع العبارة في أصل وضعها الذي صُكَّت عليه؛ لكن النظر إلى العبارة من زاوية السياق الأكبر الذي زُرعت فيه يفضي بنا إلى القول إنَّ الضمير يعود على عنصر لغويٍّ جديد هو لفظة (الكلمات)، وبذلك يتحوَّل الكلام في العبارة المصكوكة من الحقيقة إلى المجاز الذي يؤدِّي وظيفة التشخيص، ويدخل في وشائج قويَّة مع النصِّ الحاليّ.
ومن الأمثلة أيضًا:
كرِهتْني الحروبُ
لأنّيَ بالحَسَراتِ وبالخوفِ أَثْقلتُ كاهلَها([81])
فالضمير (ها) في العبارة المصكوكة (أثفلت كاهلها) يمكن النظر إليه بوصفه عائدًا على امرأة حقيقيَّة، وذلك بالتعامل مع العبارة في أصل وضعها؛ لكنَّ النظر إلى العبارة في سياقها الجديد يخلص بنا إلى أنَّ الضمير يعود على عنصر لغويٍّ جديد هو لفظة (الحروب) في السطر الشعريِّ السابق، وبذلك يتحوَّل الكلام من الحقيقة إلى المجاز؛ إذ الحرب لا كاهل لها.
ونودُّ هنا أن ننبِّه إلى أنَّ المجاز في آليَّة الإحاله غيره في آليَّة الاستبدال، فالمجاز في آليَّة الاستبدال هو ناتج من نواتج عدَّة لآليَّة الاستبدال، في حين أنَّ المجاز في آليَّة الإحالة يكاد يكون هو الآليَّة نفسَها. ولذلك فإنَّنا نجد أنَّ المجاز في الآليَّة الأولى يقع بسبب التغيير في البنية المعجميَّة للعبارة المصكوكة، في حين أنَّ المجاز في الآليَّة الثانية لا يمسُّ البنية المعجميَّة، وكلُّ ما يتمُّ الاشتغال عليه هو البنية الإحاليَّة، بمعنى أنَّ شكل العبارة المصكوكة في (آليَّة الإحالة) لا يصيبه تغيير، فهو يحافظ على بنيتيه الأساسيَّتين النحويَّة والمعجميَّة (تشدُّ الرحال، أثقلت كاهلها).
3-  آليَّة المناوشة: وهي آليَّة تقوم على إحداث تغييرات في أطراف العبارة المصكوكة من خلال ربط ألفاظها المتقدِّمة والمتأخِّرة بعناصر لغويَّة أجنبيَّة عنها ذات طابَع التصاقيّ، بمعنى أنَّها تلتصق بألفاظ العبارة المصكوكة التصاقًا نحويًّا تصير به هذه العناصر جزءًا من بنية العبارة المصكوكة، وينتج عن ذلك تغييرٌ في ملامح العبارة، وهو ما يؤدِّي في النهاية إلى دمجها.
وقد استعرنا لفظ المناوشة من الحقل العسكريِّ لتصوُّرِنا ابتداءً أنَّ هناك صراعًا قائمًا بين العبارة المصكوكة وسياقها الجديد، وأنَّ السياق يقوم - في محاولته دمجَ العبارة - بشيء هو أشبه بالهجوم، وأنَّ أحد أشكال الهجوم تلك المناوشات التي تقوم فيها العناصر اللغويَّة الأجنبيَّة بغزو العبارة المصكوكة في أطرافها (حدودها)؛ لتتمكَّن من ضمِّها إليها وتصبح داخلة في حدود النصِّ الشعريِّ الحاليّ.
ويمكن وصف هذه الآليَّة بأنَّها (آليَّة خارجيَّة)؛ لأنَّها تشتغل على أطراف العبارة، وهو ما يكشف مدى صلابة العبارة المصكوكة واستعصاء تغييرها من الداخل، وهي بهذا تبدو كخصم شديد الخصومة للنصِّ الحاليّ، ولا يجدي معه غيرُ المناوشة.
وتتمُّ المناوشة بطريقة من طريقتين أو بكلتيهما معًا: الأولى ربط اللفظ الأخير من ألفاظ العبارة المصكوكة بعنصر لغويٍّ أجنبيٍّ عنها؛ نحو: مقطوعًا من شجر الخوف([82]) التي تمثِّل استعمالاً للعبارة المصكوكة (مقطوع من شجرة) المتداولة في مصر حيث قضى الشاعر المقالح ردحًا من حياته، وهنا تمَّ إضافة الكلمة الأخيرة من العبارة المصكوكة إلى لفظ أجنبيٍّ عنها هو (الخوف) لتغيير مجرى الدلالة من حقل الغربة إلى حقل الخوف.
والطريقة الثانية: ربط لفظ أجنبيٍّ بأوَّل ألفاظ العبارة المصكوكة؛ نحو: المدينة تغرق في الدم، فقد أُتي بلفظ المدينة ليتصدَّر العبارة المصكوكة (يغرق في دمه) وليرتبط مع الفعل بعلاقة إسناديَّة غير قابلة للانفصام.
وهناك طريقة ثالثة يتم فيها جمع الطريقتين الأوليين، وفيها تكون آليَّة المناوشة في أقصى فعل ضدَّ العبارة المصكوكة. ومن أمثلة ذلك:
وبعدَ ألفِ رحلةٍ ورحلةِ انتصار
يعود للديار فارسُ النهار([83])
في هذا المثال لدينا عبارة شديدة الصكِّ هي عبارة (ألف ليلة وليلة) الراسخة في العقل والوجدان، وفي اللسان الشعبيِّ والفصيح، وفي الأفق المحليِّ والعالميّ؛ فمن أين تؤتى هذه العبارة لدمجها في النصِّ الشعريِّ الحاليّ، لا سيَّما أنَّها مغرية لدمجها في النصِّ الشعريِّ بسبب المحمول الثقافيِّ والوجدانيِّ الكبير المتضمَّن فيها.
وإزاء هذا التماسك البنيويِّ للعبارة المصكوكة تمَّ - لدمجها - تشغيلُ آليَّتين معًا، هما الاستبدال والمناوشة، وكلتا الآليَّتين عملتا بشكل مضاعف، فالاستبدال وقع في لفظين، والمناوشة تمَّت في الطرفين. وكان عمل الآليَّتين متكاملاً، فآليَّة الاستبدال تسلَّطت على وسط العبارة باستبدال (رحلة ورحلة) بـ(ليلة وليلة)، في حين تسلَّطت آليَّة المناوشة على طرفي العبارة بإضافة (بعد) إلى (ألف) و(رحلة) إلى (انتصار).
وبهاتين الآليَّتين استطاع النصُّ الشعريُّ فرض رؤيته ومنتوجه الدلاليّ، فتمَّ التحوُّل من زاوية الزمان (ليلة) إلى زاوية المكان (رحلة)، ومن حقل الحكاية إلى حقل الفعل، ومن عالم الخيال إلى عالم المنجز.
لكن إزاء كلِّ هذه المحاولات لدمج العبارة المصكوكة في النصِّ الشعريِّ؛ ظلَّت العبارة تقاوم هذا الدمجَ وتحافظ على بروزها في النصِّ وتعلن انتماءها السابق، وذلك من خلال محافظتها على أكبر قدر من بنيتها الصوتيَّة والمعجميَّة، فحافظت على أوَّل كلمة في العبارة (ألف)، وحافظت على عدد أصوات الكلمتين التاليتين (أربعة أصوات لكلِّ كلمة) مع الإبقاء على الحرفين الأخيرين (اللام والتاء المربوطة)، بمعنى أنَّ هناك (8) أصوات - من جملة (12) صوتًا هي عدد أصوات (ألف ليلة وليلة) - سلمت من التبديل.
وحافظت العبارة المصكوكة أيضًا على بنيتها النحويَّة الأساسيَّة (المضاف والمضاف إليه وحرف العطف والاسم المعطوف). وصحيح أنَّ كلمة (ألف) صارت (مضافًا إليه) لكنَّ هذه الوظيفة النحويَّة الطارئة لم تُلْغِ الوظيفة الأساسيَّة وهي وظيفة (المضاف)، وصحيح أنَّ الكلمة الأخيرة من العبارة المصكوكة صارت (مضافًا) لكنَّ هذه الوظيفة النحويَّة الطارئة أيضًا لم تلغ الوظيفة الأساسيَّة (معطوف على ما قبله).
4-  آليَّة التفريق: وهي آليَّة تقوم على تفكيك البنية اللغويَّة المتماسكة للعبارة المصكوكة؛ في محاولة دمجها. ويمكن وصف هذه الآليَّة بأنها (آليَّة داخلية)؛ لأنَّها تعمل في داخل العبارة المصكوكة أو وسطها، وهي أشبه بالهجوم العسكري الساعي إلى تشتيت العدو ومهاجمته في عقر داره؛ في محاولة للسيطرة عليه سيطرة تامَّة. وقد رصدنا ثلاثة أنماط لهذا التفريق في شعر المقالح:
أ‌-   التفريق البَصَريّ: وهو التفريق بين أجزاء العبارة المصكوكة بالبياض، عن طريق وضع الجزء الأوَّل في آخر الشطر أو السطر الشعريِّ ووضع الجزء الثاني في أوَّل الشطر أو السطر التالي. من ذلك قول المقالح:
وتهشَّمت سفنُ الرحيلِ وأَسْلَمَتْ
أنفاسَها في حضنِ شاطئنا الأَبَرّْ([84])
سنلاحظ أنَّ آليَّة التفريق البصريِّ جاءت مؤازرة لآليَّة أقوى هي آليَّة الإحالة التي فيها يعود الضمير إلى السفن؛ لينتج المجاز الذي يحقِّق أكبر قدر من دمج العبارة المصكوكة في النصِّ.
ب‌- التفريق النَّحْويّ: وهو التفريق بين أجزاء العبارة المصكوكة بعنصر لغويٍّ أجنبيٍّ يدخل مع العناصر اللغويَّة للعبارة المصكوكة في علاقة نحويَّة تجعله جزءًا من بنية العبارة في وضعها الجديد، وفيها يغدو من الصعب إزالة هذا العنصر الأجنبيِّ لأنَّ الوظائف النحويَّة للعبارة ستتغير. وكانت الإضافة هي التقنية اللغويَّة الأثيرة لإنجاز التفريق النحويّ، وذلك بأن يتمَّ إضافة كلمة أجنبيَّة إلى الكلمة الأخيرة من العبارة المصكوكة. من ذلك هذه الأسطر الشعريَّة من شعر المقالح: وحين خانته بقايا الكلمات والدموع([85])، وأصل العبارة (خانته الكلمات)؛ تَذْرع ليل الأرض باحثًا عن "منية النفوس"([86])، وأصل العبارة تذرع الأرض؛ ومازلتُ نهبًا لـخيل الظنون([87]) وأصل العبارة (نهبًا للظنون).
ت‌- التفريق الحَشْويّ: وهو التفريق بين أجزاء العبارة المصكوكة بعنصر لغويٍّ معترض أو أكثر، ولا يدخل هذا العنصر في علاقة ترابط نحويٍّ مع عناصر العبارة إلا في حدود التبعيَّة، ويصحُّ أن يُحذف هذا العنصر من حشو العبارة من دون أن يُحدث ذلك أثرًا في وظائفها النحويَّة. من ذلك قول المقالح:
وجه البلاد – النهار – السعيدة([88])
فهاهنا اعترض عنصر لغويٌّ أجنبيٌّ بين جزأي العبارة المصكوكة (البلاد السعيدة)، مع ملاحظة أنَّ هناك آليَّة أخرى قد عملت في دمج العبارة من قبل، وهي آليَّة المناوشة التي بها تمَّت إضافة عنصر أجنبيٍّ (وجه) إلى الطرف الأوَّل من العبارة (البلاد)، وكلتا الآليَّتين أنتجتا بنية مجازيَّة تسعى إلى إقناعنا بأنَّنا لم نعد في حضرة العبارة المصكوكة وإنَّما في حضرة الشعر.
وفي المثال الآتي من شعر المقالح نجد مثالاً لتكاتف الأنماط الثلاثة من (التفريق)؛ في محاولة سافرة لتغيير ملامح العبارة المصكوكة ودمجها في النصِّ الشعريّ:
مرَّةً حملتْه إلى السوق – في غلطةٍ –
قدماه
رأى ما رأى
واكتوى قلبُهُ بالمرارةِ([89])
فقد تمَّ التفريق بين أجزاء العبارة المصكوكة (حملته قدماه) بالأنماط الثلاثة، فتمَّ إسقاط الجزء الثاني من العبارة (قدماه) في السطر الثاني ليتباعد عن الجزء الأول (حملته) بصريًّا، ثمَّ تمَّ تعليق شبه الجملة (إلى السوق) بالفعل (حملته) ليتمَّ التفريق بين الفعل وفاعله نحويًّا، وفي الأخير تمَّ العزل بينهما بشبه الجملة (- في غلطة -) المعترضة للتعليل، وكان هذا الاعتراض بارزًا بوضع الخطيطين.
ويوجد إلى جانب هذه الآليَّات آليَّات أخرى كالحذف والتقديم والتأخير، غير أنَّها لم تكن حاضرة بالكثرة التي كانت حاضرة فيها الآليَّات الأربع الماضية؛ فضربنا صفحًا عن التفصيل فيها.
رابعًا: مظاهر المقاومة:
لقد تحدَّث ميشال ريفاتير - كما بيَّنا من قبل - عن بروز العبارة المصكوكة في السياق الأكبر، وهو يعزو ذلك إلى وجود مقاومة أسلوبيَّة (دلاليَّة ونحويَّة) في النصّ. وإذا كان ريفاتير يتحدَّث عن المقاومة الأسلوبيَّة في نصوص التناصِّ عمومًا؛ فإنَّ المقاومة تكون أشدَّ وأوضح في العبارة المصكوكة الموجودة في نصٍّ ما.
وقد قرَّ في تصوُّرنا أنَّ العبارة المصكوكة تقاوم محاولات الدمج التي يقوم بها النصّ، ولمَّا كانت العبارة المصكوكة في موقع الدفاع لم يكن هناك آليَّات معدَّة سلفًا سوى آليَّة واحدة هي آليَّة (المقاومة) التي تقتضي الثبات والحفاظ على البنية المعجميَّة والدلاليَّة قدر المستطاع؛ ولذلك فضَّلنا رصد أبرز مظاهر المقاومة كما وُجدت في شعر المقالح، وهي على النحو الآتي:
1-  التموضع في نقاط الارتكاز الشعريّ: وهو أبرز مظاهر المقاومة، وفيه تسيطر العبارة المصكوكة على مواقع شعريَّة بارزة في النصّ؛ كالعنوان، ومطلع القصيدة أو المقطع الشعريّ، وختام القصيدة أو المقطع الشعريّ. وهي بذلك تُعلن حضورها وبروزها ورفضها الذوبان الكامل في محلول النصِّ الشعريّ.
وكثيرًا ما سيطرت العبارة المصكوكة على أكثر من مرتكز شعريٍّ في القصيدة الواحدة عن طريق تقنية التَّكرار. مثال ذلك قصيدة (مكانك قف)([90]) التي تسيطر عليها العبارة الاصطلاحيَّة (مكانك). وقد فَضَحَ العنوانُ معنى العبارة المصكوكة من خلال تقنية التكرار المعنوي (مكانك قف)، فبدا من العنوان أنَّ النصَّ يرتكز على العبارة المصكوكة دلاليًّا وتركيبيًّا، فكرَّرها في مطلع القصيدة (في المقطع الشعريِّ الأوَّل) منفردة بالسطر ومعزولة عن الكلام في السطر التالي بعلامة الترقيم (النقطة)، ثمَّ كرَّرها في مطلع المقطع الثاني منفردة بالسطر الشعريّ، ثمَّ كرَّرها في مطلع المقطع الثالث منفردة بالسطر الشعريِّ كذلك.
وسنلاحظ أنَّ كلمة (مكانك) تكرَّرت في موضعين آخرين في القصيدة، الموضع الأوَّل في السطر التاسع من المقطع الأوَّل (مكانك، سمِّرْ خُطاك) فهاهنا جاءت العبارة المصكوكة معزولة بالفاصلة عن جملة الأمر التالية التي تعدُّ تكرارًا معنويًّا للعبارة المصكوكة. والموضع الثاني في السطر الثاني من المقطع الرابع والأخير (مكانك لَم تبرح الأرض)، وسنلاحظ هنا اختلاط عبارة (مكانك) مع باقي الكلام من دون أيَّة فواصل، وذلك بسبب انتفاء صفة المصكوكيَّة عنها؛ فقد عادت إلى أصل معناها قبل الصكِّ وهو (الظرفيَّة المكانيَّة)، ولم تعد بمعنى (قف).
ومن أمثلة ذلك أيضًا استعمال العبارة المصكوكة (يرحمه الله) في مناطق ارتكاز في قصيدة (مرثاة صديق حيّ)([91]) المكوَّنة من ثلاثة مقاطع، فقد سيطرت هذه العبارة الطقوسيَّة المصكوكة على النصِّ سيطرة تامَّة، فاستبدَّت بمطلع القصيدة وختامها؛ فضلاً عن ختام المقطعين الأوَّل والثاني. وهذا يعني أنَّ العبارة - المغلقة بنيويًّا - قد أحكمت إغلاق النصِّ كاملاً بتموضعها في أوَّل سطر فيه وفي آخر سطر.
ولا شكَّ في أنَّ هذا التموضعَ وهذا التكرار يؤدِّي وظيفة انتباهيَّة عالية يتوجَّه فيها التلقِّي نحو العبارة المصكوكة (يرحمه الله)، وتتأكَّد فيها وفاة الصديق الحيّ؛ إذ لو كان ميتًا لما احتيج إلى ذلك التموضع وذلك التكرار. ولأنَّ المرثي حي؛ بدت عبارة (يرحمه الله) أشبه بحفنة التراب يهيلها الشاعر على صديقه مرارًا وتكرارًا حتَّى لا تقوم له قائمة!
ومن المقارنة بين النصَّيْن السابقين نجد أنَّ عبارة (مكانك) سيطرت على مطالع المقاطع، في حين أنَّ عبارة (يرحمه الله) سيطرت على نهايات المقاطع عدا مرَّة واحدة، بل إنَّ نهاية القصيدة تضمَّنت عبارة (يرحمه الله) مكرَّرة في السطرين الأخيرين.
وهذه المقارنة تقودنا إلى انسجام ذلك التموضع مع السياق العامِّ للقصيدة، فلمَّا كانت قصيدة (مكانك قف) في سياق استثارة الهمم والدعوة إلى الصبر والثبات جُعلت العبارة الأساسيَّة (مكانك) في المطالع، ولمَّا كانت قصيدة (مرثاة صديق حيّ) في سياق الموت والفناء جُعلت في نهايات المقاطع!
2-  الانفراد بالسطر الشعريّ: وهو من أبرز مظاهر المقاومة، وفيه تعلن العبارة المصكوكة عدم انتمائها للنصِّ، ورغبتها في الاستقلال بسطر شعريٍّ منفرد؛ تجنُّبًا لاختلاطها بالعناصر اللغويَّة الأخرى، وهروبًا من دمجها الكلِّي في النصِّ الشعريّ. والأمثلة على ذلك كثيرة؛ منها هذا المثال:
يا فتاةَ الزمانِ الجديد
وأمَّ الزمان القديم
سلام عليك،
على زهرةِ الروح توصد أكمامَها
لصباحٍ من الحلم والدم
تفْتَحُ أكمامَها لصباحٍ
من الحلم والرحلة الصاعدهْ([92])
إنَّ عبارة (سلام عليك) المصكوكة تأبى إلا أن تعلن حضورها المتفرِّد أوَّلاً، ثمَّ تُبيح للنصِّ بعد ذلك أن يَستثمر الضميرَ (الكاف) ليستبدل به ألفاظًا أخرى. وهذا من منطلق أنَّه كان في الإمكان أن يقال مباشرة: سلام على زهرة الروح ...؛ لكنَّ نزعة المقاومة في العبارة مكَّنتها من الانفراد بالسطر الشعريّ، وجاءت علامة الترقيم بعدها لتؤكِّد الانفصال والتفرُّد.
3-  البروز عن طريق علامات الترقيم: وهي من المظاهر البارزة على الرغم من كونها ليست بقوَّة المظاهر السابقة، إلا إذا كانت علامة الترقيم في نهاية السطر والعبارة تحتلُّ السطر كاملاً؛ فإنَّها عندئذ تقوِّي بروز العبارة المصكوكة وانفصالها عن بقيَّة العناصر اللغويَّة في النصّ، على نحو ما مرَّ بنا في بعض نماذج المظهرين الأوَّلين. ومن أمثلته: [لأنَّني أكلت – حتَّى العظم – سيِّد البحار]([93])، [قضى نحبه، لم يكن شاهد الموت غير الظلامْ]([94])، [قدماي تسمَّرتا .. هل أنا حجرٌ في خطوط البدايه؟]([95])، [بعد أن أثقَلتْها المواجع، غادَرَها العشبُ]([96])، [والحزنُ ما زال يُرخي عباءاتِه،]([97]).
وممَّا يدخل في علامات الترقيم الأقواس وعلامات التنصيص أو التضبيب، ولدى هذه العلامات قدرة على إبراز العبارة المصكوكة أقوى بكثير من علامات الترقيم الأخرى. ولا شكَّ في أنَّ تسمية (التنصيص) تؤكِّد استقلال العبارة المصكوكة نصِّيًّا، كما أنَّ تسمية (التضبيب) تؤكِّد انغلاق بنية العبارة.
وبالتقويس والتضبيب تعلن العبارة المصكوكة تميُّزها وخصوصيَّتها وتماسكها الداخليَّ وعدم رغبتها في الاختلاط بباقي الكلام في النصِّ الشعريّ. وقد كثر حضور هذه العلامات في العبارات شديدة الصكّ؛ نحو: (لا بدَّ من صنعا وإن طال السفر)([98])، "إلى اللقاء ..." ([99])، "يا عين ألا يا عين"([100])، "Happy New Year"([101])، "أكلوني البراغيث"([102])، "والصيف بلا لبن"([103]).
وسنفصِّل القول في العبارة الطقوسيَّة المصكوكة ("Happy New Year") التي تقال في أعياد رأس السنة الميلاديَّة، والتي لم يستطع النصُّ الحاليُّ دمجها بسبب مصكوكيَّتها الشديدة:
طفلاً كان الجرحُ المصلوب
يطلع من أشجار الميلاد
يصعد من خاصرةِ الأرض المسكونةِ بالنار
رقصًا  ،  نغمًا مبلولا :

"  Happy New Year"
"Happy New Year  "
غادر طفلي شجرَ الميلادْ
صار عجوزًا في لون التلْ
في لون رماد الحرف
صار بلادي
صار اللغةَ المصلوبة في شفتي
صار العالم .
إنَّ المصكوكيَّة الشديدة في هذه العبارة تتمثَّل في انتمائها إلى طقس دينيٍّ واجتماعيٍّ ينتمي إلى حضارة أخرى ولغة أخرى، ومن ثمَّ كان دمجُها عسيرًا، وربَّما أنتج ذلك دلالة التباعد بين الحضارتين واللغتين. لكنَّ نهاية المقطع الشعريِّ تؤكِّد امتداد الجرح ليصير العالمَ كلَّه، وهو ما قد يبرِّر حضور العبارة الإنجليزيَّة في النصِّ العربيّ.
وهنا نجد أنَّ التقويس لم يكن وحده هو الذي أبرز العبارة وفَصَلها عن محيطها، فهناك انفراد العبارة بالسطر الشعريّ، وتكرارها، وتضعيف الخطِّ فيها، ومضاعفة البعد البصريّ (البياض) بين العبارة وما قبلها، واستعمال الأحرف الكبيرة في مستهلِّ الكلمات الثلاث.
وعلى الرغم من ذلك فإنَّ النصَّ حاول دمج العبارة، ولكنْ بوسيلتين واهيتين، الأولى إتباع العبارة المصكوكة بالكلمة السابقة (نغمًا) إتباع بدل، والأخرى استعمال علامة الترقيم (:) قبلها، وهو أقصى ما أمكنه من محاولة الدمج! 
4-  الوقف على العبارة المصكوكة: وهذا المظهر يتجلَّى في تسكين آخر العبارة في آخر السطر لإعلان انفصالها عن الكلام التالي. ومن أمثلة ذلك قول المقالح:
واقفةٌ بالبابْ،
خيل قصائدي واقفةٌ بالبابْ
أُسرجها للشمس
تسرجها أحزانُ رحلتي للموت([104])
هذا المثال يوضح لنا حقيقة الصراع بين العبارة المصكوكة والنصِّ الشعريّ، ففيه تتصدَّر العبارة المصكوكة مقطعًا شعريًّا، وكان في الإمكان البدء مباشرة بالسطر التالي الأكثر وضوحًا لقيامه على جملة اسميَّة ظاهرة العناصر (خيل قصائدي واقفة بالباب)، لكن لأنَّ العبارة المصكوكة تقاوم نحويًّا ودلاليًّا دمج النصِّ إيَّاها؛ فقد أعلنت حضورها المصكوك في السطر الأوَّل منفردة بنفسها ومنعزلة عمَّا قبلها وبعدها بالابتداء بها وبالفاصلة وبالوقف عليها بالسكون. وفي السطر الثاني استطاع النصُّ دمج العبارة المصكوكة بإسنادها إلى المبتدأ القائم على المجاز. ولا يفوتنا الالتفات إلى أنَّ الوقف بالسكون في آخر السطرين الأوَّلين من المقطع الشعريِّ ناسب دلالة الوقوف والانتظار.
خامسًا: ظواهر أسلوبيَّة:
ونحن نرصد العبارات المصكوكة في شعر عبد العزيز المقالح وجدنا ثلاث ظواهر أسلوبيَّة ينبغي الوقوف عندها، هي تكرار العبارة المصكوكة من جهة المعنى، والبناء على العبارة المصكوكة، والانتقال من استعمال العبارة المصكوكة إلى صكِّ العبارة.
1-  تكرار معنى العبارة المصكوكة: وهي ظاهرة تقوم على إتباع العبارة المصكوكة بمفردة توضح معناها، ويعود هذا - في حسباننا – إلى أنَّ العبارة المصكوكة غامضة لعدم تطابق معناها الإجماليِّ مع معانيها الجزئيَّة، ومن ثمَّ فهي في حاجة إلى ما يفكُّ غموضها. وعلى هذا فإنَّ الوظيفة التي يؤدِّيها هذا النوع من التكرار هي وظيفة ما وراء اللغة، وهي التي يتضمَّن الخطاب فيها عنصرًا لغويًّا شارحًا لعنصر آخر في النصّ، أو يكون فيها الكلام عن الكلام نفسه لا عن الأشياء([105]).
وكثيرًا ما جاءت المفردة الموضحة للمعنى حالاً منصوبة تالية للعبارة؛ نحو قول المقالح: يرفع كفَّه مستجديًا([106])، فمعنى العبارة المصكوكة (يرفع كفَّه): يستجدي؛ وكذا نحو قوله: تذرع ليل الأرض باحثًا([107])، فمعنى العبارة المصكوكة (تذرع الأرض): تبحث.
وتقوم العبارة المصكوكة (قَفَلْتَ راجعًا)([108]) على تكرار المعنى داخليًّا؛ بمعنى أنَّ تكرار المعنى تمَّ داخل العبارة لا خارجها، من حيث إنَّ معنى (قفلت) هو: رجعت.
وقد تأتي المفردة الحاليَّة سابقة على العبارة المصكوكة، وعندئذ تكون العبارة المصكوكة تكرارًا لمعنى تلك المفردة؛ نحو: أعلنت مبتهلاً رافعَ الكفّ([109])، فهاهنا يتطابق معنى العبارة المصكوكة (رافع الكف) مع مفردة (مبتهل).
2-  البناء على العبارة المصكوكة: وهي ظاهرة أسلوبيَّة تكون فيها العبارة المصكوكة أساسًا لبناء سلسلة من الجمل أو التراكيب، يتمُّ فيها استقصاء الوجوه الدلاليَّة الممكنة في العبارة، وهي محاولة للتخفيف من مصكوكيَّة العبارة المؤسَّسة ابتداءً على بنية واحدة ودلالة واحدة. وقد يتمُّ ذلك البناء بشكل متتابع أو متباعد؛ فمثال الأوَّل البناء على العبارة المصكوكة (الناس سواسية) في النصِّ الآتي:
أؤمن بالله العادلْ
وبأن الناسَ سواسيةٌ في الحبِّ
سواسيةٌ في الخبز
سواسيةٌ في الموتِ
سواسيةٌ في الجنّةِ أو في النار.([110])
ففي هذا المثال نجد أنَّ الكلام التالي للعبارة المصكوكة بُني على العبارة نفسها من خلال تكرار لفظ (سواسية) وتعليق شبه جملة به، وشبه الجملة مكوَّنة من حرف الجر (في) والاسم المجرور الذي يقع فيه التنوُّع (الحبّ، الخبز، الموت، الجنَّة أو النار).
وهذا التنوُّع في المجرور الاسميِّ أفضى إلى استقصاء دلالة المساواة من زاوية الرؤية الشعريَّة، فالمساواة تشمل الحياة الدنيويَّة بشقَّيْها المعنويِّ (الحبّ) والمادِّيِّ (الخبز)، والموت الحلقة البرزخيَّة، والآخرة بشقَّيها الإيجابيِّ (الجنَّة) والسلبيِّ (النار)؛ فأيُّ استقصاء بعد هذا؟
ومثال الثاني البناء على العبارة المصكوكة (ساعة الصفر) في المقطعين الآتيين من قصيدة (احتجاج العائد من رحلة الخوف):
-       أين ؟
أين تولّون أدباركم ؟!
ساعةُ الدمِ دقتْ([111])
-       كلما دقتِ الساعةُ الدمَ
أعلنت مبتهلا رافعَ الكفّ :
أن صلاتيَ لله .. للشعب .. للفقراء دمي
كل قطرة دمعٍ تَرقرقُ من عين أرملةٍ
تتحوَّلُ مشنقةً قبورًا
تدقُّ بأحزانها ساعةَ الدم([112])
ففي هذا المثال تقوم آليَّة الاستبدال بإزاحة مفردة (الصفر) وإحلال مفردة (الدم) مكانها؛ وذلك لمحوريَّة هذه المفردة في القصيدة؛ حيث وردت اثنتي عشرة مرَّة في صيغ مختلفة (حروف دمي، دماء التراب، دم العاشقين، ساعة الدم، شجر الدم، دمها، دمائي، الدم، الدم، دمي، ساعة الدم، لعنة الدم).
لكنَّ هذا الاستبدال رافقه انزياح على مستوى التركيب فكلمة (ساعة) تنوَّعت وظائفها النحويَّة من المبتدأ إلى الفاعل إلى المفعول به وذلك بسبب تغيُّر موقع الفعل المرتبط به وزمنه، وعلى الرغم من جمود المضاف إليه (الدم) على حالة إعرابيَّة واحدة هي الجرّ؛ فإنَّه هنا يتحرَّر ليصير في إحدى المرَّات مفعولاً به (دقَّتِ الساعةُ الدمَ). وهذا الانزياح الاستبداليُّ والتركيبيُّ عمل على تحريك العبارة المصكوكة وتخليصها من بعض جمودها.
وكان البناء على العبارة المصكوكة (ساعة الصفر) تنويعًا إرهابيًّا موجَّهًا ضدَّ المخاطب، وقد استُبدل الدم بالصفر لأنَّ المخاطب لا يعرف إلا لغة الدم، ومن ثمَّ فإنَّ جزاءه القادم الذي أُعلنت بدايتُه سيكون من جنس عمله.
3-  صَكُّ العبارة: وهي عمليَّة مغايرة لعملية استعمال العبارة المصكوكة الجاهزة، ففيها يقوم النصُّ بالإلحاح على عبارة ليست ممَّا يندرج ضمن (العبارات المصكوكة)، ويتمُّ تكرارها في نصٍّ واحد، وأسمِّيه (الصكَّ الأصغر)؛ أو في مجموعة شعريَّة كاملة، وأسمِّيه (الصكَّ الأكبر). وهذا العمل يدخل ضمن العمل الشعريِّ الأساس الذي ينزع فيه النصُّ الشعريُّ إلى إنتاج عباراته الخاصَّة التي تَسِمُه من جهة، وتجعله منهلاً لنصوص أخرى معاصرة له أو تالية من الجهة الأخرى.
فمن أمثلة الصكِّ الأصغر عبارة (حزني عليك) في قصيدة (الرسالة الثانية)([113]) من الرسائل الموجهة إلى سيف بن ذي يزن، فقد تكرَّرت العبارة ثلاث مرَّات في نقاط ارتكاز أساسيَّة في القصيدة هي مطالع المقاطع الشعريَّة الثلاثة التي تتكوَّن منها القصيدة، وكانت مستقلَّة بالسطر الشعريِّ لا يشاركها فيه لفظ آخر، وفصلت عن السطر التالي بعلامة ترقيم هي الفاصلة في المقطعين الأوَّل والأخير، والنقطتان الفوقيَّتان في المقطع الأوسط. وهذه المظاهر تذكِّرنا بمظاهر مقاومة العبارة المصكوكة الاندماجَ في النصّ، فكأنَّ عبارة (حزني عليك) تتشبَّه بالعبارة المصكوكة لتكون مثلها.
ومن أمثلة الصكِّ الأكبر عبارة (عاصمة الروح) ويقصد بها صنعاء، التي تكرَّرت ستَّ مرَّات في نصوص مختلفة من مجموعته الشعريَّة (كتاب صنعاء). وقد بُدئت القصيدة الأولى من المجموعة بهذه العبارة: (هي عاصمة الروح)([114])، فبدا النص وكأنَّه يعلن منذ البدء أنَّ مهمَّة هذه المجموعة الشعريَّة هي صكُّ هذه العبارة لتكون عنوانًا أو علامة أبديَّة على صنعاء، أسوة بتلك المدن التي تمتلك كلُّ واحدة منها عبارة مصكوكة تدلُّ عليها:
مكة عاصمةُ القرآن،
باريس عاصمة الفن،
لندن عاصمة الاقتصاد،
واشنطن عاصمة القوة،
القاهرة عاصمة التاريخ،
بغداد عاصمة الشعر،
دمشق عاصمة الورد،
      وصنعاء عاصمةُ الروح.([115])
ففي هذا النصِّ يتمُّ تبرير عملية الصكّ، فليست صنعاء بأقلَّ من هذه المدن حضورًا لتُحرم من لقب خاصٍّ يُطلَق عليها. وقد بُدئ النصُّ بمكَّةَ وانتهى بصنعاء في إشارة إلى تميُّزهما باتِّصالهما بعوالمَ سماويَّة؛ فالقرآن كلام الله، والروح من أمر ربِّي، فكأنَّهما عاصمتان سماويَّتان، في حين أنَّ باقي المدن عواصمُ مادِّيَّة متِّصلة بالنتاج البشريّ (الفنّ، الاقتصاد، القوَّة، التاريخ، الشعر، الورد). وربما كانت الضمَّة - التي لم تُثْبَت إلا في "عاصمةُ القرآن" و"عاصمةُ الروح" - إشارة أخرى إلى الترابط بين مكَّة وصنعاء من جهة، وارتفاعهما وعلوِّهما واتِّصالهما بالسماء من الجهة الأخرى!
لكنَّ النصَّ غاير بين صنعاء وبقيَّة العواصم بثلاث علامات: بصريَّة ولغويَّة وكتابيَّة؛ فالبصريَّة إزاحةُ الجملة نحو اليسار قليلاً، ما أفضى إلى وجود مساحة بيضاء مكان اسم العاصمة المفترض (صنعاء) في الخطِّ العموديّ، وهو معادل للحضور الروحيِّ الصافي لصنعاء؛ ثم أفضت الإزاحة البصريَّة إلى خروج صنعاء من جدول أسماء العواصم تنزيهًا لها عن المشابهة، كما أفضت إلى خروج مفردة (الروح) عن الخطِّ الرأسيِّ السابق عليها كلِّيَّة، وهو ما يشير إلى أنَّ خصيصة الروح تتفرَّد بها صنعاء من دون بقيَّة العواصم.
أمَّا العلامة اللغويَّة فهي تصدير جملتها بالواو، وهي علامة على آخر الكلام الذي ينبغي أن يختم بالمسك (صنعاء). وأمَّا العلامة الكتابيَّة فهي النقطة التي تعلن انتهاء الامتداد الرأسيِّ للنصّ، وتفصل العبارة المصكوكة الناشئةَ عمَّا يليها من الكلام لتأكيد مصكوكيَّتها.
ثمَّ تكرَّرت هذه العبارة مرَّة ثالثة؛ في محاولة من النصِّ تثبيتَ مصكوكيَّة عبارة (عاصمة الروح)، وهي المحاولة الأخيرة، على أساس أنَّ (الثالثة ثابتة). وبدت مظاهر المصكوكيَّة في تسنُّمها مطلع (القصيدة الرابعة): هي عاصمةُ الروح([116]).
وسنلاحظ أنَّ عبارة (عاصمة الروح) صيغت في بنية لغويَّة اسميَّة متحلِّلة من قيد الزمن لتصلح لكلِّ زمان، ولتدلَّ على الثبات حتَّى كأنَّها حقيقة مسلَّم بها، كما أنَّها علامة على رغبةٍ في تثبيت مصكوكيَّة العبارة.
بعد ذلك تَرِدُ عبارة (عاصمة الروح) من غير كلمة (صنعاء) أو الضمير العائد عليها (هي)، بل تندمج في جمل فعليَّة، وكأنَّ المحاولات الثلاث قد آتت أكلها وصارت العبارةُ مصكوكةً، ويمكن توظيفها في بقيَّة النصوص على أساس أنَّها عبارة مصكوكة جاهزة لا ناشئة. وهذه الجمل الثلاث هي: يحتفلان بميلادِ عاصمةِ الروح([117])، العصافيرُ تسألُ عاصمةَ الروح([118])، يغتال عاصمةَ الروح([119]). وواضح كيف أنَّ الموقع الإعرابيَّ تغيَّر من الرفع في الجمل الاسميَّة إلى الجرِّ والنصب في الجمل الفعليَّة، وهو ناتج عن الدمج.
نتائج البحث:
1-  أَكْثَرَ عبد العزيز المقالح من استعمال العبارات المصكوكة في دواويينه الأولى، ثمَّ بدأ يخفُّ هذا الاستعمال في الدواوين التالية، وهي إشارة إلى أنَّ الشاعر تخلَّص شيئًا فشيئًا من سطوة اللغة الجاهزة، وصارت لديه لغته الخاصَّة.
2-  العبارة المصكوكة في شعر المقالح ستَّة أنماط رئيسة: العبارة الكنائيَّة، والعبارة الاصطلاحيَّة، والعبارة الإكليشيه، والعبارة الطقوسيَّة، والعبارة المَثليَّة، والعبارة البنائيَّة.
3-  للعبارة المصكوكة في شعر المقالح ثلاثة أشكال رئيسة: الجملة الفعليَّة، والجملة الاسميَّة، والجملة غير التامَّة (المركَّب الإضافيّ، شبه الجملة، المركَّب النعتيّ، بعض التراكيب العامِّيَّة).
4-  تمَّ دمج العبارة المصكوكة في شعر المقالح بأربع آليَّات رئيسة: آليَّة الاستبدال، وآليَّة الإحالة، وآليَّة المناوشة، وآليَّة التفريق (البَصَريِّ والنَّحْويِّ والحَشْويّ).
5-  تجلَّت مقاومة العبارة المصكوكة ذلك الدمجَ في شعر المقالح في أربعة مظاهر رئيسة: التموضع في نقاط الارتكاز الشعريّ، الانفراد بالسطر الشعريّ، البروز عن طريق علامات الترقيم، الوقف على العبارة المصكوكة.
6-  برزت ثلاثُ ظواهرَ أسلوبيَّةٍ رئيسة في استعمال العبارة المصكوكة في شعر المقالح، هي: تكرار معنى العبارة المصكوكة، البناء على العبارة المصكوكة، صكّ العبارة.
الهوامش:


([1]) محمَّد العبد: إبداع الدلالة، ص107.
([2]) محمَّد الهادي الطرابلسي: خصائص الأسلوب في الشوقيَّات، ص318.
([3]) ينظر: محمَّد العبد: إبداع الدلالة، ص107.
([4]) محمَّد الهادي الطرابلسي: خصائص الأسلوب في الشوقيَّات، ص318.
([5]) محمَّد العبد: إبداع الدلالة، ص107.
([6]) المرجع نفسه: ص108.
([7]) المرجع نفسه: ص107.
([8]) المرجع نفسه: ص108.
([9]) ينظر: صلاح فضل: علم الأسلوب، ص237.
([10]) ينظر: منير البعلبكي: المورد، مادة (cliche).
([11]) ينظر: شكري محمَّد عيَّاد: اتِّجاهات البحث الأسلوبيّ، ص147، سليمان فيَّاض: معجم المأثورات اللغويَّة والتعابير الأدبيَّة، ص3.
([12]) ينظر: ميكائيل ريفاتير: معايير تحليل الأسلوب، ص54.
([13]) ينظر: جوزيف ميشال شريم: دليل الدراسات الأسلوبيَّة، ص80.
([14]) ينظر: صلاح فضل: علم الأسلوب، ص237.
([15]) ينظر: جورج لايكوف ومارك جونسن: الاستعارات التي نحيا بها، ص65 وهامشها. وينظركذلك: سليمان فيَّاض: معجم المأثورات اللغويَّة والتعابير الأدبيَّة، ص3.
([16]) ينظر: جوزيف ميشال شريم: دليل الدراسات الأسلوبيَّة، ص80.
([17]) ينظر: شكري محمَّد عيَّاد: اتِّجاهات البحث الأسلوبيّ، ص147. وهي الترجمة التي ارتضاها منير البعلبكي لكلمة (cliche) في قاموسه (المورد). وفي المعجم الوسيط (مادة: رسم): الرَّوْسَم: لُوَيْح مكتوب بالنقش تُخْتَم به أكداس الغِلال، أو الطابَع يُطْبَع به.
([18]) ينظر: جورج لايكوف ومارك جونسن: الاستعارات التي نحيا بها، هامش ص65.
([19]) ينظر: محمَّد الهادي الطرابلسي: خصائص الأسلوب في الشوقيَّات، ص319.
([20]) المرجع نفسه: ص322.
([21]) محمَّد العبد: إبداع الدلالة، ص108.
([22]) ينظر: صلاح فضل: علم الأسلوب، ص237.
([23]) المرجع نفسه: ص237.
([24]) ينظر: المرجع نفسه، ص238.
([25]) المرجع نفسه: ص238.
([26]) ينظر: المرجع نفسه، ص239.
([27]) ينظر: المرجع نفسه، ص239 و240.
([28]) تيفين ساميول: التناصُّ ذاكرة الأدب، ص16.
([29]) المرجع نفسه: ص15.
([30]) صلاح فضل: علم الأسلوب، ص237.
([31]) المرجع نفسه: ص239.
([32]) المرجع نفسه: ص238.
([33]) ينظر: عبد العزيز المقالح: الديوان، ص147.
([34]) ينظر: المصدر نفسه، ص104.
([35]) ينظر: المصدر نفسه، ص47.
([36]) ينظر: المصدر نفسه، ص306.
([37]) ينظر: المصدر نفسه، ص365.
([38]) ينظر: عبد العزيز المقالح: أوراق الجسد العائد من الموت، ص54.
([39]) ينظر: عبد العزيز المقالح: الخروج من دوائر الساعة السليمانيَّة، ص30.
([40]) ينظر: عبد العزيز المقالح: الديوان، ص318.
([41]) ينظر: المصدر نفسه، ص394.
([42]) ينظر: المصدر نفسه، ص83.
([43]) ينظر: المصدر نفسه، ص215.
([44]) يفرِّق رودلف زلهايم في كتابه (الأمثال العربيَّة)  بين المثل والتعبير المثليِّ بأنَّ الأخير لا يعرض أخبارًا معيَّنة عن طريق حال بعينها، ولكنَّه يبرز أحوال الحياة المتكرِّرة، والعلاقات الإنسانيَّة، في صورة يمكن أن تكون جزءًا من جملة – رودلف زلهايم: الأمثال العربيَّة، ص30.
([45]) ينظر: عبد العزيز المقالح: الديوان، ص314.
([46]) ينظر: المصدر نفسه، ص428.
([47]) ينظر: المصدر نفسه، ص37.
([48]) ينظر: عبد العزيز المقالح: كتاب صنعاء، ص48.
([49]) ينظر: عبد العزيز المقالح: الكتابة بسيف الثائر عليِّ بن الفضل، ص83.
([50]) ينظر: عبد العزيز المقالح: الديوان، ص25.
([51]) ينظر: المصدر نفسه، ص44.
([52]) ينظر: المصدر نفسه، ص113.
([53]) ينظر: المصدر نفسه، ص190.
([54]) ينظر: المصدر نفسه، ص209.
([55]) ينظر: المصدر نفسه، ص283.
([56]) ينظر: المصدر نفسه، ص299.
([57]) ينظر: المصدر نفسه، ص306.
([58]) ينظر: المصدر نفسه، ص368.
([59]) ينظر: جورج مولينيه: الأسلوبيَّة، ص199.
([60]) ينظر: سالم عبد الرب السلفي: الغربة في الشعر اليمنيِّ الحديث والمعاصر - دراسة أسلوبيَّة، ص211.
([61]) ينظر: عبد العزيز المقالح: الديوان، ص299.
([62]) ينظر: المصدر نفسه، ص295.
([63]) ينظر: المصدر نفسه، ص394.
([64]) ينظر: المصدر نفسه، ص314.
([65]) ينظر: المصدر نفسه، ص308.
([66]) ينظر: المصدر نفسه، ص23.
([67]) ينظر: عبد العزيز المقالح: كتاب القرية، ص93.
([68]) ينظر: عبد العزيز المقالح: الديوان، ص96.
([69]) ينظر: عبد العزيز المقالح: كتاب صنعاء، ص229.
([70]) ينظر: عبد العزيز المقالح: الخروج من دائرة الساعة السليمانيَّة، ص30.
([71]) ينظر: عبد العزيز المقالح: كتاب صنعاء، ص218.
([72]) ينظر: عبد السلام المسدّي: الأسلوبيَّة والأسلوب، ص74.
([73]) حول مصطلح (العدول) ينظر: محمَّد عبد المطَّلب: البلاغة والأسلوبيَّة، ص268 وما بعدها.
([74]) ينظر: عبد العزيز المقالح: الديوان، ص283.
([75]) ينظر: المصدر نفسه، ص290.
([76]) ينظر: المصدر نفسه، ص295.
([77]) ينظر: المصدر نفسه، ص448.
([78]) ينظر: المصدر نفسه، ص522.
([79]) ينظر: عبد العزيز المقالح: الخروج من دوائر الساعة السليميانيَّة، ص30.
([80]) عبد العزيز المقالح: أبجديَّة الروح، ص27.
([81]) المصدر نفسه: ص21.
([82]) عبد العزيز المقالح: أوراق الجسد العائد من الموت، ص47.
([83]) عبد العزيز المقالح: الديوان، ص61.
([84]) المصدر نفسه: ص25.
([85]) ينظر: المصدر نفسه، ص214.
([86]) ينظر: المصدر نفسه، ص299.
([87]) ينظر: المصدر نفسه، ص308.
([88]) عبد العزيز المقالح: كتاب القرية، ص81.
([89]) عبد العزيز المقالح: الديوان، ص586.
([90]) المصدر نفسه: ص47-52.
([91]) المصدر نفسه: ص83-86.
([92]) عبد العزيز المقالح: كتاب صنعاء، ص195.
([93]) ينظر: عبد العزيز المقالح: الديوان، ص44.
([94]) ينظر: المصدر نفسه، ص306.
([95]) ينظر: عبد العزيز المقالح: الخروج من دوائر الساعة السليميانيَّة، ص77.
([96]) ينظر: عبد العزيز المقالح: أبجديَّة الروح، ص88.
([97]) ينظر: المصدر نفسه، ص131.
([98]) ينظر: عبد العزيز المقالح: الديوان، ص23.
([99]) ينظر: المصدر نفسه، ص217.
([100]) ينظر: المصدر نفسه، ص458.
([101]) ينظر: عبد العزيز المقالح: الكتابة بسيف الثائر علي بن الفضل، ص39.
([102]) ينظر: عبد العزيز المقالح: الخروج من دوائر الساعة السليمانيَّة، ص50.
([103]) ينظر: عبد العزيز المقالح: أوراق الجسد العائد من الموت، ص33.
([104]) ينظر: عبد العزيز المقالح: الكتابة بسيف الثائر عليّ بن الفضل، ص36.
([105]) ينظر: الطاهر بومزبر: التواصل اللسانيُّ والشعريَّة، ص47.
([106]) ينظر: عبد العزيز المقالح: الديوان، ص220.
([107]) ينظر: المصدر نفسه، ص299.
([108]) ينظر: المصدر نفسه، ص311.
([109]) ينظر: عبد العزيز المقالح: الخروج من دوائر الساعة السليمانيَّة، ص33.
([110]) ينظر: عبد العزيز المقالح: أوراق الجسد العائد من الموت، ص46.
([111]) عبد العزيز المقالح: الخروج من دوائر الساعة السليمانيَّة، ص30.
([112]) المصدر نفسه: ص32-33.
([113]) ينظر: عبد العزيز المقالح: الديوان، ص295-299.
([114]) ينظر: عبد العزيز المقالح: كتاب صنعاء، ص15.
([115]) المصدر نفسه: ص17.
([116]) ينظر: المصدر نفسه، ص27.
([117]) ينظر: المصدر نفسه، ص148.
([118]) ينظر: المصدر نفسه، ص197.
([119]) ينظر: المصدر نفسه، ص198.
ثَبَت المصادر والمراجع:
أوَّلاً: المصادر:
-       عبد العزيز المقالح (1978م): الكتابة بسيف الثائر عليِّ بن الفضل، دار العودة، بيروت.
-       عبد العزيز المقالح (1981م): الخروج من دوائر الساعة السليمانيَّة، دار العودة، بيروت.
-       عبد العزيز المقالح (1986م): أوراق الجسد العائد من الموت، دار الآداب، بيروت.
-       عبد العزيز المقالح (1986م): ديوان عبد العزيز المقالح: دار العودة، بيروت.
-       عبد العزيز المقالح (1998م): أبجديَّة الروح، الهيئة العامَّة للكتاب، صنعاء.
-       عبد العزيز المقالح (2000م): كتاب صنعاء، رياض الريِّس للكتب والنشر، بيروت.
-       عبد العزيز المقالح (2000م): كتاب القرية، رياض الريِّس للكتب والنشر، بيروت.
ثانيًا: المراجع:
-       تيفين ساميول (2007م): التناصُّ ذاكرة الأدب، ترجمة: نجيب غزَّاوي، منشورات اتِّحاد الكتَّاب العرب، دمشق.
-   جورج لايكوف ومارك جونسن (2009م): الاستعارات التي نحيا بها، ترجمة: عبد المجيد جحفة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء.
-       جورج مولينيه (1999م): الأسلوبيَّة، ترجمة: بسَّام بركة، المؤسَّسة الجامعيَّة للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت.
-       جوزيف ميشال شريم (1978م): دليل الدراسات الأسلوبيَّة، المؤسَّسة الجامعيَّة للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت.
-   رودلف زلهايم (1971م): الأمثال العربيَّة القديمة (مع اعتناء خاصٍّ بكتاب الأمثال لأبي عبيد)، ترجمه عن الألمانيَّة وحقَّقه وعلَّق عليه وصنع فهارسه: رمضان عبد التوَّاب، دار الأمانة ومؤسَّسة الرسالة، بيروت.
-   سالم عبد الربّ السَّلفي (2006م): الغربة في الشعر اليمنيِّ الحديث والمعاصر (دراسة أسلوبيَّة)، أطروحة دكتوراه، معهد البحوث والدراسات العربيَّة، القاهرة.
-       سليمان فيّاض (1992م): معجم المأثورات اللغويَّة والأدبيَّة، الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب، القاهرة.
-       شكري محمَّد عيَّاد (1996م) اتِّجاهات البحث الأسلوبيّ، أصدقاء الكتاب، القاهرة.
-       صلاح فضل (1998م): علم الأسلوب (مبادئه وإجراءاته): صلاح فضل، دار الشروق، القاهرة.
-   الطاهر بن حسين بومزبر (2007م): التواصل اللسانيُّ والشعريَّة (مقاربة تحليليَّة لنظريَّة رومان جاكبسون)، الدار العربيَّة للعلوم ناشرون، بيروت.
-       عبد السلام المسدِّي: الأسلوبيَّة والأسلوب، الدار العربيَّة للكتاب، طرابلس الغرب وتونس، الطبعة الثالثة.
-       محمَّد العبد (1988م): إبداع الدلالة في الشعر الجاهليّ (مدخل لغويٌّ أسلوبيّ)، دار المعارف، القاهرة.
-   محمَّد عبد المطَّلب (1994م): البلاغة والأسلوبيَّة، مكتبة لبنان ناشرون – بيروت، الشركة المصريَّة العالميَّة للنشر لونجمان – الجيزة.
-       محمَّد الهادي الطرابلسي (1981م): خصائص الأسلوب في الشوقيَّات، منشورات الجامعة التونسيَّة، تونس.
-   ميكائيل ريفاتير (1993م): معايير تحليل الأسلوب، ترجمة وتقديم وتعليقات: حميد لحمداني، منشورات دراسات (سال)، طبع بمطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق