الثلاثاء، 19 مارس 2013

شخصية اليوم: المسيو بس


المسيو بِس 
      نعاه البرق في يوم الثلاثاء 29 رمضان 1370 (3 يوليو 1951م) عن (74) سنة. وهو تاجر كبير، صاحب أكبر مؤسّسة في جنوب الجزيرة. ولد أنطونين بس في (كاركاسون) بفرنسا سنة (1877م)، وقدم (عدن) في سنة (1900م) موظّفا بسيطا لدى شركة فرنسيّة. أسّس في (عدن) تجارة باسمه، وبعد أمد حوّلها إلى شركة تجارية محدودة باسمه في (عدن). واستطاع أن ينشئ العمل الضخم المعروف باسمه في (جنوب البحر الأحمر) و(أفريقيا) و(أوروبا). وقد تنوّعت أعماله في (الحبشة) و(اليمن) و(الصومال) من حبوب وطعام وجلود وبنّ وصمغ ولبان. ومن مشاريعه الضخمة الكثيرة: بناء منظومة كبيرة للملاحة وصناعة السفن الشراعيَّة، وكان يملك بواخر شهيرة (الأمين، الحقّ، الحلال، الكريم)، ويملك ستّة عشر مركبا شراعيّا. ومن منشآته الضخمة أيضا: مصنع للصابون، وكانت له مشاريع كبيرة في العمران، وقد أقام أحدث فندق في (جنوب الجزيرة). عاش أمدا في (الحٌدَيْدة) عُرف فيها بـ(الخواجة أنطون)، وكان يتكلم العربيَّة في طلاقة، ولكن بلكنة أهل (الحُدَيْدة)، وكان كأمراء العرب يَنْفَح من يمدحه من الشعراء. وقد ألقى خطابا قبل سفره الأخير باللغة العربيَّة على عمَّاله في (المعلَّى) قال فيه إنه ربَّما لا يعود إلى (عدن) بعد هذه الرحلة. كان (الخواجة بس) عالِمًا مفكّرًا قبل أن يكون تاجرًا مادّيا، ويعامل جميع موظّفيه معاملة أب رؤوف ولا يفرّق بين الأجناس والأديان، ولكنه كان يعطي الموظّف قيمته حسب إنتاجه في العمل وكفاءته، وكان على استعداد دائم للاستماع إلى موظّفيه؛ وهو أوّل من أدخل نظام الادّخار لمساعدة موظّفيه، فقد كان كلّ موظّف يدفع مبلغًا من مرتّبه يُضيف إليه (المسيو بس) من مال الشركة ما يساويه ليستحقّ كلّ موظّف الإفادة من هذا التوفير إذا شاخ وترك العمل، كما أنه يشجع الموظّفين على الاستمرار في عملهم في نشاط وجدّ لمستقبل مضمون. ولم يكن (المسيو بس) يميل إلى الشهرة، وكان يقدّم التبرّعات والإعانات الكثيرة من المشاريع في الخفاء ومن دون أن يعلن اسمه، وقد بنى مدرسة البنات في (الشيخ عثمان)، وتبرَّع بخمسين ألف جنيه للتعليم المهني وتعليم المرأة في (عدن)، وتبرَّع بمليون ونصف مليون جنيه لبناء (كلِّية سانت أنطوني) في (أكسفورد) لتدعيم التفاهم الإنجليزي الفرنسي، فمنحته (جامعة أكسفورد) الدكتوراه الفخريّة. وكان معروفًا بالصراحة المقترنة بالإخلاص. لم يكن المسيو بس يدخّن ولم يشرب الخمر إلا في مناسبات قد تكون اضطراريّة! وقد تزوّج زوجته الأولى ثم تفرّقا، ثم تزوّج الثانية ومات وهي في عصمته. كان يهوى ركوب الخيل وقطع اليمّ في يخته الخاص وتسلّق الجبال، وليس في (عدن) جبلٌ لم يتسلّقْه! وكان يقرأ كثيرًا ويستمع إلى الموسيقا، وقد اعتاد أن يجمع كبار موظّفيه الأوروبّيين مرّة كلّ أسبوع فيلقي عليهم محاضرة قيّمة ثم يناقشهم فيها. لم يتخلّ عن جنسيّته الفرنسيّة على الرغم من خدماته لـ(بريطانيا) التي حصل بها على لقب (فارس) من ملك (بريطانيا)، وكان قبل ذلك يحمل لقب (فرقة الشرف) من (الحكومة الفرنسيّة). خلّف (المسيو بس) زوجة وثلاثة أولاد وأربع بنات.[1]



[1] - من كتابي (وفيات عدن) نقلاً عن صحف الخمسينيّات. ويقال في اسمه: أنطون وأنطوان، وفي شهرته: المسيو بس والخواجة بس. قلت: (كاركاسون) مدينة في جنوب (فرنسا) سَمَّاها العرب (قرقشونة)، وكلِّية سانت أنطوني تأسَّست في سنة (1950م).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق